القراءة الواسعة ثم المتأنية التي استغرقت ستة أشهر أو تزيد، بدأت تتحدد معالم الطريق، وتتجسد أمام عيني الحاجة إلى تفسير الكثير من الاصطلاحات التي ترد في كتب الفقه، وبيان المراد منها، خاصة وأن بعض هذه الكتب لا تبين المراد بهذه الألفاظ، فيشكل على القارىء وربما وقع في الخطأ، ثم إن بعضها مشترك لفظي بين جميع المذاهب، ولكنه يختلف من حيث المعنى فيوهم القارىء المبتدىء أن المعنى واحد في جميعها، فكان هذا الموضوع بمثابة الكشاف الذي ينير الطريق لمن يطالع كتب الفقه، ويضع النقاط على الحروف، فيبين المراد باللفظ في المذهب معززا بمثال حسب استعمالهم له، ما أمكن.
هذا إلى جانب حاجتنا كمسلمين إلى الفقه في حياتنا اليومية، وكثيرا ما يلجأ مثقفونا إلى البحث عن حكم مسألة ما في كتب الفقه، وهؤلاء غالبا ما تكون معرفتهم بتلك الاصطلاحات محدودة، ومن أجل إعطاء طلاب العلم والباحثين فكرة عن مصطلحات المذاهب، خاصة أنني لم أجد في المكتبة الإسلامية ما يلبي هذه الحاجة، فكان هذا المؤلف ليسد تلك الثغرة.
ونظرا لأن المذاهب السائدة في جزيرة العرب هي المذاهب الأربعة، وقد تكون جميعها في منطقة واحدة كدولة الإمارات العربية المتحدة مثلا، وما كتب حول هذا الموضوع، يختص بكل مذهب على حدة، لذا فإن من الأهمية بمكان مثل هذه الدراسة، التي تجمع شتات ما كتب في قالب واحد سهل التناول، يريح القارىء ويكفيه عناء البحث، وتسهل عليه المقارنة بين المذاهب من حيث المراد باللفظ الواحد.
لقد تناول موضوع مصطلحات المذاهب الفقهية كثير من الكتاب وخاصة القدامى منهم كنجم الدين النّسفي في كتابه طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، والقاضي عياض في كتاب مشارق الأنوار على صحاح الآثار، ويوسف بن عبد الرحمن الجوزي في كتابه الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل الأصولي والفقهي، والشيخ قاسم القونوي في كتابه أنيس الفقهاء