وقلت: قد زوجته الجعد بن مهجع، وأصدقتها هذه الألف دينار وجعلت تكرمتها العبد والقبة، وكسوت الشيخ المطرف، فقبله وسر به، وسألته أن يبني بها من ليلته، فأجابني إلى ذلك، وضربت القبة وسط الحي وأهديت إليه ليلاً وبت عند الشيخ خير مبيتٍ. فلما أصبحت غدوت، فقمت بباب القبة، فخرج إلي وقد تبين الجذل في وجهه. قال: فقلت له: كيف كنت بعدي، وكيف هي بعدك؟ فقال: أبدت لي كثيراً مما أخفت يوم رأيتها. فقلت: ما حملك على ذلك؟ فأنشأ يقول:
كَتَمتَ الهَوَى إني رأيتُكَ جازِعاً ... فقلتُ فتىً بعضَ الصّديقِ يُرِيدُ.
وَإنْ تطرَحَنّي أوْ تقولُ: فَتِيّةٌ ... يُضِرّ بها بَرْحُ الهَوَى فَتَعودُ.
فَوَرّيتُ عمّا بي وفي الكَبِد الحشا ... منَ الوَجْد بَرْحٌ، فاعلَمَنّ، شَديدُ.
قال فقلت: أقم على أهلك، بارك الله لك! وانطلقت إلى أهلي، وأنا أقول:
كَفَيتُ أخي العُذرِيَّ ما كانَ نابَهُ ... وَمِثلي لأثقالِ النَّوائِبِ أحْمَلُ.
أما استَحسَنت مني المكارِمُ والعُلى، ... إذا اطُّرِحَتْ، أني أقولُ وَأفْعَلُ.
أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز قال: حدثنا محمد بن خلف إجازة قال: أنشدت لماني:
سلي عَائِداتي كيف أبصَرْنَ كُرْبَتي، ... فإن قلتِ قد حابينني، فاسألي النّاسا.
فإنْ لم يقولوا مات، أوْ هُوَ مَيّتٌ، ... فزيدي إذاً قَلبي جُنوناً وَوَسوَاسَا.