أكُلَّمَا مَرّ رَكْبٌ لا يُلائِمُهُمْ، ... وَلا يُبَالُونَ أن يَشتاقَ من فَجعُوا
عَلّقتْني بهَوىً مِنهُمْ، فقدْ جُعِلَتْ ... مِنَ الفِرَاقِ حَصَاةُ القَلبِ تَنصَدعُ
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف المحولي، حدثنا أبو محمد التميمي عن المدائني عن أبي زكريا العجلاني أن رجلاً من بني عقيل كان يسمى صخراً، وكانت له ابنة عم تدعى ليلى، وكان بينهما ود شديد، وحب مبرح، ولم يكن واحد منهما يفتر عن صاحبه ساعة، ولا يوماً، وكان لهما مكان يلتقيان فيه، ولليلى جارية تبلغ صخراً رسائلها، وتبلغها عنه، وتسعى بينهما، حتى طال ذلك منهما، وكانا يتحدثان في كل ليلة، ثم ينصرفان إلى منازلهما.
ثم إن أبا صخر زوج صخراً امرأةً من الأزد وصخر لذلك كاره مخافة أن تصرمه ليلى، فلما بلغ ليلى خبره، قطعته وتركت إتيان المكان الذي كانا يلتقيان فيه، فمرض صخر مرضاً شديداً، وكان قد أفشى سره إلى ابن عم له، وكانوا يقولون: قد سحرته ليلى، لما كان يصنع بنفسه. فكان ابن عمه يحمله إلى ذلك المكان الذي كانا يلتقيان فيه، فلا يزال يبكي على آثارها وعهدها حتى يصبح، وابن عمه يسعفه ثم يرده.
وكانت ليلى أشد وجداً به، وحباً له منه لها، فأرسلت جاريتها إليه، وقالت: اذهبي إلى مكاننا، فانظري هل ترين صخراً هنالك، فإذا رأيته فقولي له:
تَعْساً لمَنْ لِغَيرِ ذَنبٍ يَصرِمُ، ... قَد كُنتَ يا صَخر زَمَاناً تَزْعُمُ:
أنّكَ مَشغُوفٌ بِنَا مُتَيَّمُ، ... فَالحَمدُ للهِ عَلى مَا يُنعِمُ