أخبرنا القاضي أبو عبد الله القضاعي إجازة، أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن خرزاد النحيرمي بقراءتي عليه، أخبرنا جعفر بن شاذان القمي أبو القاسم قال: كان عمرو بن يوحنا النصراني يسكن في دار الروم ببغداد، في الجانب الشرقي، وكان من أحسن الناس صورةً وأجملهم خلقاً، وكان مدرك بن علي الشيباني يهواه، وكان من أفاضل أهل الأدب، وكان له مجلس يجتمع إليه الأحداث لا غير، فإن حضره شيخ أو كهل قال له: إنه ليقبح بمثلك أن يختلط بالأحداث والصبيان فقم في حفظ الله.
وكان عمرو بن يوحنا ممن يحضر مجلسه، فعشقه مدرك، وهام به، فجاء عمرو يوماً إلى المجلس، فكتب مدرك رقعةً وطرحها في حجره، فقرأها، فإذا فيها:
بمَجالِسِ العِلمِ التي ... بكَ تمّ جَمعُ جموعِها
ألاّ رَثَيتَ لُمقلَةٍ، ... غَرِقَتْ بمَاءِ دُموعِها
بَيني وبَينَكَ حُرْمَةٌ، ... اللهَ في تَضيِيعِهَا
فقرأ الأبيات، ووقف عليها من كان في المجلس، وقرأوها واستحيا عمرو من ذلك، فانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، فترك مجلسه، ولزم دار الروم، وجعل يتبع عمراً حيث سلك، وقال فيه قصيدة مزدوجة عجيبة، وله أيضاً في عمرو أشعار كثيرة، ثم اعترى مدركاً الوسواس وسل جسمه، وذهب عقله، وانقطع عن إخوانه، ولزم الفراش، فحضره جماعة فقال لهم: ألست صديقكم القديم العشرة لكم، فما فيكم أحد يسعدني بالنظر