فقال لهم: ما به؟ فأنشأ الفتى يقول:
وَبي من جَوَى الأسقامِ وَالحبّ لَوْعَةٌ، ... تكادُ لها نَفسُ الشّفيقِ تَذُوبُ
وَلَكِنّمَا أبقى حُشَاشَةَ مَا تَرَى ... عَلى مَا بِهِ عُودٌ هُنَاكَ صَلِيبُ
قال ابن عباس: والله ما رأيت وجهاً أعتق، ولا لساناً أذلق، ولا عوداً أصلب من هذا، هذا والله قتيل الحب والهوى، لا قود له ولا دية.
وأنبأنا القاضي أبو الطيب، سمعت أبا جعفر الموسائي العلوي يقول: حدثني محمد بن أحمد بن الرصافي قال: قال لي عبد الملك بن محمد: إني خرجت من البصرة أريد الحج، فإذا أنا بفتىً نضوٍ قد نهكه السقام، يقف على محمل محمل، وهودج هودج، ويطلع فيه، فتعجبت منه ومن فعله، فقال:
أحُجّاجَ بَيتِ اللهِ في أيّ هَوْدَجٍ، ... وَفي أيّ خِدْرٍ مِنْ خُدورِكُمُ قلبي؟
أأبقَى أسِيرَ الحُبّ في دارِ غُرْبَةٍ، ... وَحَادِيكُمُ يَحدُو بقَلبيَ في الركبِ؟
فلم أزل أقف عليه، حتى جاء إلى المنزل، فاستند إلى جدار ثم قال:
خَلّ فَيضَ الدّمعِ يَنهَملُ، ... بَانَ مَن تَهوَاهُ فارْتَحلوا
كُلُّ دَمعٍ صَانَهُ كَلِفٌ ... فَهوَ يَوْمَ البَينِ مُبتَذَلُ
قال: ثم تنفس الصعداء، وشهق شهقةً، فحركته، فإذا هو ميت.