أدعوهُ باسمِكَ في كَرْبٍ وَفي تعبٍ، ... وَأنتَ لاهٍ قَرِيرُ العَينِ مَسرُورُ
فلم لج بشر وترك الممر ببابها، اشتد عليها ذلك، ومرضت مرضاً شديداً، فبعث زوجها إلى الأطباء، فقالت: لا تبعث إلي طبيباً، فإني عرفت دائي، قهرني جنّي في مغتسلي، فقال لي: تحولي عن هذه الدار، فليس لك في جوارنا خير.
فقال لها زوجها: فما أهون هذا. فقالت: إني رأيت في منامي أن أسكن بطحاء تراب. قال: اسكني بنا حيث شئت، فاتخذت داراً على طريق بشر، فجعلت تنظر إليه، كل غداة، إذا غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى برأت من مرضها، وعادت إلى حسنها، فقال لها زوجها: إني لأرجو أن يكون لك عند الله خير لما رأيت في منامك أن اسكني بطحاء تراب، فأكثري من الدعاء.
وكانت مع هند في الدار عجوز، فأفشت إليها أمرها، وشكت ما ابتليت به، وأخبرتها أنها خائفة إن علم بشر بمكانها أن يترك الممر في طريقه، ويأخذ طريقاً آخر، فقالت لها العجوز: لا تخافي، فإني أعلم لك أمر الفتى كله، وإن شئت أقعدتك معه، ولا يشعر بمكانك. قالت: ليت ذاك قد كان.
فقعدت العجوز على باب الدار، فلما أقبل بشر قالت له العجوز: يا فتى؟ هل لك أن تكتب لي كتاباً إلى ابن لي بالعراق؟ قال بشر: نعم! فقعد يكتب، والعجوز تملي عليه وهند تسمع كلامهما، فلما فرغ بشر قالت العجوز لبشر: يا فتى! إني لأظنك مسحوراً، قال بشر: وما أعلمك بذلك؟ قالت له: ما قلت لك حتى علمت، فما الذي تهم؟ قال لها: إني كنت أمر على جهينة، وإن قوماً منهم كانوا يرسلون إلي ويدعونني إلى أنفسهم، ولست آمنهم أن يكونوا قد أضمروا لي شراً. قالت له العجوز: انصرف عني اليوم حتى أنظر في أمرك.
فلما انصرف دخلت إلى هند فقالت: هل سمعت ما قال؟ قالت: نعم!