فَالصّبرُ خيرُ عَزِيمَةٍ، فاستَعصِمي، ... وَإلى إِلهكِ ذي المَعارِجِ فاقصِدِي
وَإذا أتَتكِ وَسَاوِسٌ وَتَفَكّرٌ، ... وَتَذَكّرٌ، فلِكُلّ ذلكَ فَاطرُدِي
وَعَليكِ يَاسين، فإنّ بدَرْسِها ... تُنفى الهُمُومُ، وَذاكَ نَفسكِ عوّدي
فأجابته الفتاة وهي تقول:
لَعَمرُكَ ما ياسينُ تُغني مِنَ الهَوَى، ... وَقُرْبُكَ مِنْ ياسينَ أشهى إلى قلبي
فَدَعْ ذِكرَ ياسينَ، فَلَيسَ بنافعي، ... فإنيَ في غَمرِ الحَيَاةِ، وَفي كَرْبِ
تَحَرّجتَ عَنْ إتيَانِنَا، وَحَدِيثِنَا، ... فقَتليَ، إنْ فكّرتَ، من أكبرِ الذّنبِ
وَإتيَانُنَا أدنى إلى اللهِ زُلفةً، ... وَأحسَنُ مِنْ قَتلِ المُحِبّ بلا عَتبِ
قال: فلما قرأ بشر هذه الأبيات غضب غضباً شديداً، وحلف لا يمر بباب هند ولا يقرأ لها كتاباً، فلما امتنع كتبت إليه تقول:
سألتُ رَبي، فقد أصَبحتَ لي شَجَناً، ... أن تُبتَلى بهَوَى مَنْ لا يُبَالِيكَا
حتى تّذوقَ الذي قد ذُقتُ من نَصَبٍ، ... وَتَطلُبَ الوَصلَ مِمّنْ لا يُؤاتيكَا
رَمَاكَ رَبّي بِحُمّاةٍ مُقَلقِلَةٍ، ... وَبامتِنَاعِ طَبيبٍ لا يُداوِيكَا
وَأنْ تَظَلّ بِصحرَاءٍ عَلى عَطَشٍ، ... وَتَطلُبَ المَاء َ مِمّن لَيسَ يَسقيكَا
فلما لج بشر وترك الممر ببابها، أرسلت إليه بوصيفة لها فأنشدته هذه الأبيات، فقال للوصيفة: لأمر ما لا أمر، فلما جاءت الوصيفة أخبرتها بقول بشر، فكتبت وهي تقول:
كَفّرْ يمينَكَ! إنّ الذّنبَ مَغفورُ، ... وَاعلَمْ بأنّكَ كَفّرْتَ مأجورُ
لا تَطرُدنّ رَسُولي وَارْثَيَنّ لَهُ، ... إنّ الرّسُولَ قَليلُ الذّنبِ مأمُورُ
وَاعلَمْ بأني أبيتُ اللّيلَ سَاهِرَةً، ... وَدَمعُ عَيني عَلى خَدّيّ مَحدُورُ