أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، أخبرني أبي، حدثني أبو الطيب محمد بن أحمد بن عبد المؤمن أحد الصوفية من أهل سر من رأى قال: رأيت ببغداد صوفياً أعور، يعرف بأبي الفتح، في مجلس أبي عبد الله بن البهلول، فقرأ بألحان قراءة حسنة، وصبي يقرأ: أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر، فزعق الصوفي: بلى! بلى! دفعات وأغمي عليه طول المجلس، وتفرق الناس عن الموضع، وكان الاجتماع في صحن دار كنت أنزلها، فلم يكن الصوفي أفاق فتركته مكانه، فما أفاق إلى أن قرب العصر، ثم قام، فلما كان من بعد أيام سألت عنه، فعرفت أنه حضر عند جارية في الكرخ تقول بالقضيب، فسمعتها تقول الأبيات التي فيها:
وَجهُكَ المأمُولُ حُجّتُنا ... يَوْمَ يأتي النّاسُ بالحُجَجِ
فتواجد، وصاح، ودق صدره إلى أن أغمي عليه، فسقط، فلما انقضى المجلس حركوه فوجدوه ميتاً، فغسلوه، ودفنوه، واستفاض الخبر بهذا وشاع، وأخبرني به فئام من الناس والأبيات لعبد الصمد بن المعذل:
يا بَديعَ الدّلّ وَالغُنُجِ! ... لكَ سُلطانٌ عَلى المُهَجِ
إنّ بَيْتاً أنْتَ سَاكِنُهُ ... غَيرُ مُحتَاجِ إلى السُّرُجِ
وَجهُكَ المَعشوقُ حُجّتُنا ... يَوْمَ يأتي النّاسُ بالحُجَجِ
والصوفية إذا قالوا: وجهك المأمول، نقلوه إلى ما لهم في ذلك من المعاني، وكانت قصة هذا الرجل وموته في سنة خمسين وثلاثمائة، وأمره من مفردات الأخبار.