كانَ مَملُوكي، فأضحَى مالكي، ... إنّ هذا مِنْ أعَاجِيبِ الزّمَنْ
فقال له جعفر بن يحيى: إن أبا العتاهية محبوس، بلا جرم، وهو أقدر الناس على أن يأتي بشيء مليح، قال: وجه البيتين إليه، وقل له أجزهما بما يشابههما، فلما قرأهما أبو العتاهية كتب تحتهما:
ضَعُفَ المِسكينُ عن تِلكَ المِحَنْ ... بهَلاكِ الرّوحِ مِنهُ وَالبَدنْ
وَلَقَدْ كُلّفَ شَيئاً عَجَباً ... زَادَ في النَكبةِ وَاستَوْفَى المِحَنْ
قِيلَ: فَرّحنَا، وَيَأبى فَرَحٌ ... أنْ يُؤاتِينيَ مِنْ بَيتِ الحَزَنْ
فلما قرأ الأبيات استحسنها الرشيد، وأمر بإطلاقه وصلته، وقال: صدق، والله، احضروه، فحضر، فقال: أجز بيتيّ! فقال: الآن طاب القول، وأطاع الفكر، وأنشد:
عِزّةُ الحُبّ أرَتْهُ ذِلّتي، ... في هَوَاهُ، وَلهُ وَجهٌ حَسَنْ
فَلِهَذا صِرْتُ مَملُوكاً لَهُ، ... وَلِهَذا شَاعَ أمرِي وَعَلَنْ
فقال الرشيد: جئت، والله، بما في نفسي، وأطلقه وزاد في صلته.
حدثنا أحمد بن علي الحافظ بدمشق من لفظه، حدثنا أبو نعيم الحافظ بأصفهان، حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، أخبرني بعض أصحابنا قال: كتب بعض أهل الأدب إلى أبي بكر بن داود الأصبهاني الفقيه:
يا ابنَ داودَ، يا فَقيهَ العِرَاقِ! ... أفتِنَا في قَواتِلِ الأحداقِ!
هَلْ عَلَيها القِصَاصُ في القَتلِ يوْماً، ... أمْ حَلالٌ لَهَا دَمُ العُشّاقِ؟
فأجابه ابن داود:
عِندي جَوَابُ مَسائِلِ العُشّاقِ، ... إسمَعْهُ مِنْ قَلَقِ الحَشَا مُشتَاقِ
لمّا سَألتَ عنِ الهَوَى أهلَ الهَوَى، ... أجرَيتَ دَمعاً لَمْ يكُنْ بالرّاقي
أخطأتَ في نَفسِ السؤالِ، وَإن تُصِبْ ... تكُ في الهَوَى شَفَقَاً من الأشفاقِ
لَوْ أنّ مَعشُوقاً يُعّذِّبُ عَاشِقاً ... كانَ المُعَذَّبُ أنْعَمَ العُشّاقِ