الناس وجهاً وثغراً، فلما علمت أن قد رآها، ولولت وصاحت وغطت بمعصمها وجهها. قال القاضي: المعصم موضع السوار، فزاده ذلك فتنة، فحمل الشوق على بدنه، حتى لم يبق إلا رأسه وعيناه تدوران فيه.
وقدم الأخ، فقال: يا أخي! ما الذي أرى بك؟ فاعتل عليه، وقال: الشوصة، والشوصة تسميها العرب اللوى وذات الجنب. فقال له ابن عمر: لا تكذبنه، ابعث إلى الحارث بن كلدة، فإنه من أطب العرب، فجيء به، فلمس عروقه فإذا ساكنها ساكن، وضاربها ضارب، فقال: ما بأخيك إلا العشق. فقال: سبحان الله تقول: هذا الرجل ميت؟ فقال: هو كذلك، أعندكم شيء من شراب؟ فجيء به ثم دعا بمسعط، فصب فيه من الشراب، وحل صرةً من صرره فذر فيه، ثم سقاه الثانية، ثم الثالثة، فانتشى يغني:
يَهيجُ ما يَهيجُ وَيَذكُرُ ... أيّها القَلبُ الحزِينُ ما يكُنّه
ألِمّا بي عَلى الأبْيَات ... تِ مِنْ خَيفٍ أزُرْهُنّه
غَزَالاً مَا رَأيتُ اليَوْ ... مَ في دُورِ بَني كُنّه
غَزَالٌ أحْوَرُ العَينِ، ... وَفي مَنطِقِهِ غُنّه
قال القاضي: البيت الأول من هذه الأبيات مضطرب، وأرى بعض من رواه كسره وأخل ببنائه ونظمه لأنه لم يكن له علم بوزن الشعر وترتيبه.
فقال الرجل: هذه دور قومنا، فليت شعري من؟ فقال الحارث: ليس فيه مستمتع غير هذا اليوم، ولكن أغدو عليكم من الغد، ففعل به كفعله بالأمس، فانتشى يغني سكراً، واسم امرأة أخيه ريا، فقال:
أيّها الحَيّ فَاسْلَمُوا، ... كَيْ تُحَيَّوا وَتُكرَموا