أقولُ لنَفسِي، وَهْيَ في عَيشِ كُرْبةٍ: ... أقِلّي، فَقَد بانَ الحَبيبُ، أوِ اكثرِي
إذا لَمْ يَكُنْ للأمرِ عِندَكِ حِيلَةٌ، ... وَلم تَجدِي شَيئاً سوَى الصّبرِ، فاصْبرِي
واشتد بكاء المولى، ثم أنشأ يقول:
فَلَوْلا قُعُودُ الدّهرِ بي عَنكِ لم يكنْ ... يُفَرّقُنا شيءٌ سمَى المَوْتِ، فاصْبرِي
أرُوحُ بِهَمٍّ في الفُؤادِ مُبَرِّحٍ، ... أُناجي بهِ قَلباً طَويلَ التّفَكّرِ
عَلَيكِ سَلامٌ، لا زِيَارَةَ بَينَنَا، ... وَلا وَصْلَ إلاّ أنْ يَشَاءَ ابنُ مَعْمَرِ
فقال له ابن معمر: قد شئت، خذها، ولك المال، فانصرفا راشدين، فوالله لا كنت سبباً لفرقة محبين.
وأخبرنا محمد، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن أحمد الحكيمي، حدثنا أبو إبراهيم الزهري، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثني معن بن عيسى قال: دخل ابن سرحون السلمي على مالك بن أنس، وأنا عنده، فقال له: يا أبا عبد الله! إني قد قلت أبياتاً، وذكرتك فيها، قال: اجعلني في حل، قال: أحب أن تسمعها، قال: لا حاجة لي بذلك. فقال: بلى! قال: هات! فأنشد:
سَلُوا مَالكَ المُفتي عَنِ اللهوِ وَالغنى ... وَحبِّ الحِسَانِ المُعجِباتِ الفَوَارِكِ
يُنَبّئكُمُ أني مُصِيبٌ، وَإنّمَا ... أُسَلّي هُمُومَ النّفسِ عَني بذَلِكِ
فَهل في مُحبٍّ، يكتمُ الحُبّ وَالهَوَى، ... إثامٌ، وَهَلْ في ضَمّةِ المُتَهَالِكِ؟
فضحك مالك، وسري عنه، وقال: لا! إن شاء الله. وكان ظن أنه هجاه.