ثم قال لي: لمن هذا؟ فقلت: يقوله الحكم بن كثير المازني البصري. قال: أنشدني باقي الشعر، فقلت:
لَهْفي عَلى مَن أطَارَ النّوْمَ، فَامتَنَعَا، ... وَزَادَ قَلبي عَلى أوْجِاعِهِ وَجَعَا
كَأنّمَا الشّمسُ مِن أعطافِهِ لَمَعتْ ... حُسناً، أوِ البَدرُ مِنْ أزْرَارِهِ طَلَعَا
مُستَقبَلٌ بالذي يَهوَى، وَإن عَظُمَتْ ... مِنهُ الإسَاءَةُ، مَعذُورٌ بمَا صَنَعَا
في وَجهِهِ شَافِعٌ يَمحُو إسَاءَتَهُ، ... من القُلُوبِ، وَجِيهٌ حَيثُ مَا شَفَعَا
قال الصولي: فأخذ هذا المعنى أحمد بن يحيى بن العراق الكوفي، فقال: بدا وكأنما قمر، وأنشد البيتين.
أخبرنا علي بن أحمد علي المعدل، حدثني أبي قال: روى أبو روق الهراني عن الرياشي أن بعض أهل البصرة اشترى صبيةً، فأحسن تأديبها وتعليمها، وأحبها كل المحبة، وأنفق عليها حتى أملق، ومسه الضر الشديد، فقالت الجارية: إني لأرثي لك، يا مولاي، مما أرى بك من سوء الحال، فلو بعتني واتسعت بثمني، فلعل الله أن يصنع لك وأقع أنا بحيث يحسن حالي، فيكون ذلك أصلح لكل واحد منا.
قال: فحملها إلى السوق، فعرضت على عمر بن عبيد بن معمر التيمي، وهو أمير البصرة يومئذ، فأعجبته، فاشتراها بمائة ألف درهم، فلما قبض المولى الثمن، وأراد الإنصراف، استعبر كل واحد منهما لصاحبه باكياً، وأنِشأت الجارية تقول:
هَنِيئاً لكَ المَالُ الّذِي قَد حَوَيتَهُ، ... وَلم يبقَ في كَفّيّ غَيرُ التّذَكّرِ