قلت: نعم! قال: يا غلام ادفع إليه الذي معك! فقلت: وما هذا؟ قال: ثلاثمائة دينار. قلت: والله لا أقبلها، أو أعرفك. قال: أنا إبراهيم بن المهدي.
قال: وحدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثني محمد بن المرزبان، حدثنا زكريا بن موسى، حدثنا شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال: لما اختلط عقل قيس المجنون وامتنع من الطعام والشراب مضت أمه إلى ليلى فقالت لها: يا هذه! قد لحق ابني بسببك ما قد علمت، فلو صرت معي إليه، رجوت أن يثوب إليه، ويرجع عقله إذا عاينك؟ فقالت: أما نهاراً فلا أقدر على ذلك لأني لا آمن الحي على نفسي، ولكن أمضي معك ليلاً.
فلما كان الليل صارت إليه فقالت له: يا قيس! إن أمك تزعم أن عقلك ذهب بسببي، وأن الذي لحقك أنا أصله. ففتح عينيه، فنظر إليها، وأنشأ يقول:
قالَت جُنِنتَ عَلى رَأسِي، فقُلتُ لها: ... ألحُبُّ أعظَمُ مِمّا بِالمَجَانِينِ
الحُبّ لَيسَ يُفيقُ الدّهرَ صَاحِبُهُ، ... وَإنّمَا يُصرَعُ المَجنُونُ في الحِينِ
ولي ابتداء قصيدة مدحت بها عين الدولة ابن أبي عقيل بالشام أولها:
عَرِّجْ بِنَا عَنِ الحِمَى يَمِينَا، ... فَقَدْ تَوَلّى الحَيرةُ الغَادِينَا
لمْ أنسَ يَوْمَ ذِي الأَرَاكِ قَوْلَها، ... وَالبَينُ عَنْ قَوْسِ النّوَى يَرْمينَا