حنطة، ثم خرجت. فلما شددت على راحلتي كورها، وأنا أريد المضي، جاءني خادم فقال: أجب الأمير، فرجعت معه، فدخلت على الحجاج، فإذا هو قاعد على كرسي، وإذا جارية قائمة تعممه، فقلت: السلام عليك أيها الأمير. فقال: هات، قل في هذه! فقلت: بأبي وأمي تمنعني هيبة الأمير، وإجلاله، فأفحمت، فما أدري ما أقول، فقال: بل هات، قل فيها! فقلت: بأبي وأمي، فما اسمها؟ قال: أمامة، فلما قال أمامة فتح علي فقلت:
وَدّعْ أُمَامَةَ حَانَ مِنكَ رَحيلُ، ... إنّ الوَداعَ لمَنْ تُحِبّ قَليلُ
تِلْكَ القُلُوبُ صَوَادِياً تَيّمتَهَا، ... وَأرَى الشّفَاءَ، وَمَا إلَيهِ سَبيلُ
فقال: بل إليه سبيل. خذ بيدها! فأخذت بيدها، فجبذتها، فتعلقت بالعمامة، وجبذتها حتى رأيت عنق الحجاج قد صغت، ومالت مما جبذتها، وتعلق بالعمامة. قال: وخطر ببالي بيت من شعر، فقلت:
إنْ كانَ طِبَّكُمُ الدّلالً، فإنّهُ ... حَسَنٌ دلالك، يا أُمَيمَ، جَميلُ
فقال الحجاج: إنه، والله، ما بها ذاك، ولكن بها بغض وجهك، وهو أهل لذاك. خذها بيدها جرها! فلما سمعت ذلك منه خلت العمامة، وخرجت بها، فكنيتها أم حكيم، وجعلتها تقوم على عمالي وتعطيهم نفقاتهم بقرية يقال لها الفنة، من قرى الوشم.
قال طلحة: فأخبرني الزبير قال: قال محمد بن أيوب: وسمعت حبجياً بن نوح يقول: كانت والله مباركة.