مصارع العشاق (صفحة 47)

وتغير عما كان عليه، ولزم الوحدة والفكر، وجعل الناس يظنون أن الذي به من عبادة قد لزمها، حتى سقط على فراشه.

فلما رآه أبوه على تلك الحال دعا له الأطباء والمعالجين، فجعلوا ينظرون إليه، فكل يصف به دواء، ويقول: به داء لا يقوله صاحبه، والفتى مع ذلك ساكت لا يتكلم، حتى إذا طالت علته واشتد عليه الأمر دعا أبوه فتياناً من الحي، وإخوانه الذين كانوا له أنساً، فقال لهم: اخلوا به وسلوه عن علته لعله يخبركم ببعض ما يجده، فأتوه فكلموه وسألوه، فقال: والله ما بي علة أعرفها فأبينها لكم، وأخبركم بما أجد منها، فأقلوا الكلام.

وكان الفتى فطناً ذا عقل، فلما طال به الوجد دعا امرأة من بعض أهله فخلا بها، وقال: إني ملق إليك حديثاً ما ألقيته إليك إلا عند الإياس من نفسي، فإن ضمنت لي كتمانه أخبرتك وإلا صبرت حتى يحكم الله في أمري ما يحب، وبعد، فوالله ما أخبرت به أحداً قبلك، ولئن كتمت علي لا أخبر به أحداً بعدك، وإن هذا البلاء الذي أرى بي لا شك قاتلي وإنه يجب علي في محبتي له أن أكون لمن أحب صائناً وعليه مشفقاً من تزيد الناس وإكثارهم حتى يصير الصغير كبيراً، والكبير عندهم الباقي ذكره أبداً، الله الله في أمري، واجعليه محرزاً في صدرك فإن فعلت فلك حسن المكافأة، وإن أبيت فالله يحسن لك الشكر.

فقالت له المرأة: قل يا بني ما بدا لك، فوالله ما أجد في الدنيا أحداً أحب بقاءه غيرك، وكيف لي أن يكون عندي بعض دوائك، فوالله لأكتمن أمرك ما بقيت أيام الدنيا. فقال لها: إن من قصتي كذا وكذا! فقالت له: يا بني أفلا أخبرتنا، فوالله ما رأيت كلمةً أسكن بمجامع القلب فلا تفارقه أبداً، من كلمة: محب عاشق أخبر من يحبه أنه له وامق، فتلك الكلمة تزرع في قلوب ذوي الألباب شجراً لا تدرك أصوله. فقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015