نزل على البغل، وأردفني، فخرجنا، لا والله ما يعرجان ولا يعرضان بذكر شيء مما كانا فيه، ولا أرى في وجوههما مما كنت أرى قبل شيئاً. قال: فلما اشتمل علينا أبطح مكة مد يده إلي بشيء، وإذا عشرون ديناراً، فوالله ما جلست حتى ذهبت ببعيري، واحتملت أداة الراحلتين، فبعتهما بثلاثين ديناراً.
أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن شاهين، رحمه الله تعالى، حدثنا أبي، أخبرنا عمر بن الحسن، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا علي بن الجعد، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: كنت في الشباب إذا أصابتني مصيبة تجلدت، ودفعت البكاء بالصبر، فكان ذلك يؤذيني ويؤلمني، حتى رأيت أعرابياً بالكناسة، واقفاً على نجيب، وهو ينشد:
خَليليّ عُوجَا من صُدُورِ الرّوَاحِلِ ... بجُمهُورِ حَزْوَى فابكِيَا في المَنازِلِ
لَعَلّ انحِدَارَ الدّمعِ يُعقِبُ رَاحَةً ... مِنَ الوَجْدِ أوْ يَشفي نَجيّ البَلابِلِ
فسألت عنه، فقيل: ذو الرمة، فأصابتني بعد ذلك مصائب، فكنت أبكي، وأجد لذلك راحةً، فقلت: قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره!