قال كثير: أنا قلته. قالت: أغزلت وأحسنت. خذ هذه الثمانمائة درهم، فاستعن بها. ثم انصرفت إلى مولاتها، وخرجت فقالت: أيكم يقول:
لكلّ حَدِيثٍ بَينَهُنّ بَشَاشَةٌ، ... وَكُلّ قَتيلٍ بَينَهُنّ شَهِيدُ
يَقولونَ جاهِد يا جَميلُ بغَزْوَةٍ، ... وَأيّ جِهَادٍ غَيرَهُنّ أُرِيدُ
وَأفضَلُ أيّامي وَأفضَلُ مَشهدِي، ... إذْ هِيجَ بي يوماً وَهنّ قُعُودُ
فقال جميل: أنا قلته. قالت: أغزلت وكرمت وعففت، ادخل. قال: فلما دخلت سلمت، فقالت لي سكينة: أنت الذي جعلت قتيلنا شهيداً. وحديثنا بشاشة، وأفضل أيامك يوم تنوب فيه عنا، وتدافع، ولم تتعد ذلك إلى قبيح خذ هذه الألف درهم وابسط لنا العذر، أنت أشعرهم.
وأخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي أيضاً بالمسجد الحرام، قال: أخبرنا أبو أحمد بن لآل الهمذاني قال: حدثنا أبو بكر بن أحمد الأخباري وأحمد بن الحسين قالا: حدثنا حامد بن حماد، حدثنا إسحق بن سيار، حدثنا الأصمعي، حدثنا جهضم بن سالم: بلغني أن الفرزدق بن غالب خرج حاجاً، فمر بالمدينة ودخل على سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب مسلماً عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول:
بِنَفسِيَ مَن تَجَنّيهِ عَزيزٌ ... عليَّ، وَمَن زِيَارَتُهُ لمَامُ
وَمَن أُمسِي وَأُصْبحُ لا أرَاهُ ... ويَطَرُقني إذا هَجَعَ النِّيَامُ