فقمت، فغيرت وركبت متنكباً عن الطريق، فلما برق الفجر، إذا راعٍ مع الشروق قد سرح غنمه وهو يتمثل:
كَفى باللّيالي مخلّفاتٍ لجِدّةٍ ... وبالموْتِ قَطّاعاً حبالَ القرائنِ.
فأظلمت علي الأرض فتأملته فعرفته، فقلت: فلان؟ قال: فلان.
قلت: ما وراءك؟ قال: ضاجعت، والله، رملة الثرى، فما لبثت أن سقطت عن بعيري فما أفقت حتى حميت الشمس عليّ، وقد عقل الغلام ناقتي، وقد مضى، فكررت إلى أهلي، وأنشأت أقول:
يا رَاعيَ الضّأنِ! قد أبقيتَ لي كَمَداً ... يبقى ويُتلفني، يا راعيَ الضّانِ.
نعيتَ نفسي إلى نفسي، فكيفَ إذاً، ... أبقى، ونفسيَ في أثناءِ أكفاني؟
لوْ كنتَ تَعلَمُ ما أسأرْتَ في كَبِدي، ... بَكيتَ ممّا ترَاهُ اليوْمَ أبْكاني.
أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن شكر قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهمذاني بمكة قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا محمد بن جعفر الكاتب عن محمد بن الحسن البرجلاني عن جعفر بن معاذ قال: أخبرني أحمد بن سعيد العابد عن أبيه قال: كان عندنا بالكوفة شاب يتعبد ملازماً للمسجد الجامع، لا يكاد يخلو منه، وكان حسن الوجه، حسن القامة، حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال، وعقل، فشغفت به، وطال ذلك عليها، فلما كان ذات يوم وقفت له على طريقه، وهو يريد المسجد، فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها، ثم اعمل ما شئت. فمضى ولم يكلمها. ثم وقفت