أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن طاهر الدقاق بقراءتي عليه قال: أخبرني الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أخبرني مسجع بن نبهان قال: حدثني رجل من بني الصيداء من أهل الصريم قال: كنت أهوى جاريةً من باهلة، وكان قومها قد أخافوني، وأخذوا علي المسالك، فخرجت ذات يوم، فإذا حمامات يسجعن على أفنان أيكات متناوحاتٍ في سرارة واد، فاستفزني من الشوق ما لم أعقل معه بشيء، فركبت، وأنا أقول:
دعَتْ، فوْق أغصَانٍ من الأيكِ مَوهِناً، ... مطوَّقَةٌ ورْقاءُ في إثر آلفِ.
فهاجَتْ عقابيلَ الهوَى، إذ ترَنّمَتْ، ... وَشَبّتْ ضِرَامَ الشوْق بينَ الشراسفِ.
لكني خرجت فآواني الليل إلى حي فخفت أن يكونوا من قومها فبت في القفر، فلما هدأت الرجل إذا قائل يقول:
تمتع من شَميمٍ عَرِارِ نجدٍ ... فما بعدَ العَشيّةِ من عَرَارِ.
فتألمت من ذلك ثم غلبتني عيناي، فإذا آخر يقول:
وَلا شيء بَعدَ اليوْمِ إلاّ تَعِلّةً ... من الطيفِ أو تلقى بها منزِلاً قفرَا.
فزادني ذلك قلقاً، ثم نمت فإذا ثالث يقول:
لن يُلبِثَ القرناءَ أن يتفَرّقوا، ... ليَلٌ يَكُرّ علَيهِمُ وَنَهَارُ.