أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف المحولي، أخبرني أبو الفضل الكاتب عن أبي محمد العامري قال: قال إسماعيل بن جامع: كان أبي يعظني في الغناء، ويضيق، فهربت منه إلى أخوالي باليمن، فأنزلني خالي غرفة له مشرفة على نهر في بستان، فإني لمشرف منها، إذ طلعت سوداء معها قربةً، فنزلت إلى المشرعة، فجلست فوضعت قربتها وغنت:
إلى اللهِ أشكُو بُخلَها وَسَمَاحَتي، ... لهَا عَسَلٌ مِني، وتَبْذُلُ عَلقَمَا
فُردّي مُصَابَ القَلبِ أنتِ قَتَلتِهِ، ... وَلا تَترُكِيهِ هائِمَ القَلبِ مُغرَمَا
وذرفت عيناها، فاستفزني ما لا قوام لي به، ورجوت أن ترده، فلم تفعل، وملأت القربة، ونهضت، فنزلت أعدو وراءها، وقلت: يا جارية! بأبي أنت وأمي ردي الصوت! قالت: ما اشغلني عنك! قلت: بماذا؟ قالت: علي خراج كل يوم درهمان. فأعطيتها درهمين، فتغنت وجلست حتى أخذته، وانصرفت، ولهوت يومي ذلك وكرهت أن أتغنى الصوت، فأصبحت وما أذكر منه حرفاً واحداً، وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلا أنها غنت غير ذلك الصوت، فنهضت وعدوت في إثرها. فقلت: الصوت قد ذهب علي منه نغمة، قالت: مثلك لا يذهب عليه نغمة، فتبين بعضه ببعض، وأبت أن تعيده إلا بدرهمين، فأعطيتها ذلك، فأعادته فتذكرته، فقلت: حسبك! قالت: كأنك تكاثر فيه بأربعة دراهم، كأني والله بك، وقد أصبت به أربعة آلاف دينار.
قال ابن جامع: فبينا أنا أغني الرشيد يوماً، وبين يديه أكياس في كل كيس ألف دينار، إذ قال: من أطربني، فله كيس، فغن لي الصوت، فغنيته، فرمى لي بكيس، ثم قال: أعد! فأعدت، فرمى لي بكيس،