مصارع العشاق (صفحة 302)

موت جميل بثينة

أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال، حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أبو بكر العامري، أخبرني أبو الحسن بن محمد بن أبي سيف، أخبرني أبو عبد الرحمن العجلاني عن سهل بن سعد الساعدي قال: بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال: هل لك في جميل تعوده، فإنه ثقيل بالمرض؟ قلت: نعم! فدخلنا عليه، وهو يجود بنفسه، وما يخيل إلي أن الموت علق به، فنظر إلي وقال: يا ابن سعد! ما تقول في رجل لم يزن قط، ولم يشرب خمراًقط، ولم يسفك دماً حراماً قط، يشهد أن لا إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، منذ خمسين سنة.

قال: قلت: من هذا الرجل؟ فإني أظنه، والله، قد نجا، لن الله تعالى يقول: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً.

قال: أنا. قال: فقلت: والله ما رأيت كاليوم أعجب من هذا، وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة.

قال: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من الآخرة، فلا نالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط، وإن كان أكثر ما كان مني إليها أني كنت آخذ يدها أضعها على قلبي، فأستريح إليها.

قال: ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقال:

صَدَعَ النعيُّ وَما كَنى بجَمِيلِ، ... وَثَوَى بمِصرَ ثَوَاءَ غَيرِ قَفُولِ.

وَلقد أجرُّ الذّيلَ في وَادِي القُرَى، ... نَشوَانَ بَينَ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ.

قُومي بُثَيْنَةُ، فَاندُبي بعَوِيلِ، ... وَابكي خَليلَكِ دونَ كلّ خليلِ.

ثم أغمي عليه فمات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015