وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب دقاً رفيقاً وليس يكلمه أحد، فلما خشي الصبح، وأن تعرف الدابة، انصرف وأصبحوا، فإذا هم به، فأتوا له الحجاج، فأخذ أهل تلك السكة، فقال: أخبروني ما هذا. وما قصته؟ قالوا: لا نعلم ما حاله وما قصته. غير أنا وجدناه ملقىً. ففطن الحجاج، فقال: علي بمن كان يخدمه. فأتي بذلك الخصي الذي كان الرسول. فقالوا: هذا كان صاحب سره. فقال له الحجاج: اصدقني! ما كان حاله وما فصته؟ فأبى، فقال له: إن صدقتني لم أضرب عنقك، وإن لم تصدقني فعلت بك، وفعلت. فأخبره الأمر على جهته، فأمر بالمرأة وأمها وأخوتها فجيء بهم، فعزلت المرأة عنهم، فسألها فأخبرته بمثل ما اخبر به الخصي، ثم سأل الأخوة على انفراد، فأخبروه بمثل ذلك، وقالوا: حن صنعنا به الذي ترى. فصرفهم وأمر برفيقه ودوابه وماله وكل قليل وكثير له أن يعطى للمرأة.
فقالت المرأة: عندي هديته التي وجه بها إلي. فقال: بارك الله لك فيها، وأكثر النساء مثلك، هي لك، وكل ما ترك من شيء فهو لك، فأعطاهما جميع ما ترك وخلى عنها وعن أخوتها، وقال: إن مثل هذا لا يدفن فألقوه للكلاب. ودعل بالخصي فقال: أما أنت فقد قلت لك إني لا أضرب عنقك، وأمر بضرب وسطه.
أخبرنا الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله قراءة عليه في داره بالحريم الطاهري سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا أبو القاسم بإسناد له عن ابن الأشدق قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت شاباً تحت الميزاب قد أدخل رأسه في كسائه، وهو يئن كالمحموم، فسلمت، فرد السلام، ثم قال: من أين؟