قال: ثم ماذا؟ قالت: لم يلبث أن مات، فأتاني نعيه. قال: فأنشدينا بعض مراثيك، فأنشدت:
لتَبْكِ عَلَيهِ مِنْ خَفَاجَةَ نُسْوَةٌ، ... بِمَاءِ شُؤونِ العَبْرَةِ المُتَحَدِّرِ.
قال: فأنشدينا:
كَأنّ فَتى الفِتيَانِ تَوْبةَ لم يُنِخْ ... قَلائصَ يَفحَصْنَ الحَصَا بالكَرَاكر.
فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي، وكان من جلساء الحجا: من هذا الذي تقول هذه هذا فيه؟ فوالله إني لأظنها كاذبة. فنظرت إليه، ثم قالت: أيها الأمير! إن هذا القائل لو رأى توبة لسره أن لا يكون في داره عذراء إلا وهي حامل منه. فقال الحجاج: هذا وأبيك الجواب، وقد كنت عنه غنياً.
ثم قال لها: سلي ليلى تعطي. قالت: أعط فمثلك أعطى فأجزل.
قال: لك عشرون. قالت: زد فمثلك زاد فأجمل. قال: لك أربعون. قالت: زد فمثلك زاد فأفضل. قال: لك ستون. قالت: زد فمثلك زاد فأكمل. قال: لك ثمانون. قالت: زد فمثلك زاد فأتم. قال: لك مائة، واعلمي يا ليلى أنها غنم، قال: معاذ الله أيها الأمير، أنت أجود جواداً وأمجد مجداً وأورى زنداً من أن تجعلها غنماً. قال: فما هي ويحك يا ليلى؟ قالت: مائة ناقة يدعى بها. فأمر بها ثم قال: ألك حاجةٌ بعدها؟ قالت: تدفع إلي النابغة الجعدي في قرن. قال: قد فعلت.
وقد كانت تهجوه ويهجوها، فبلغ النابغة ذلك، فخرج هارباً عائذاً بعبد الملك، فاتبعه إلى الشام، فهرب إلى قتيبة، فمات بقومس، ويقال بحلوان.