غضباً، وهم بقطع لسانه وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد، وأمانة الله، يقطع مقولي. ثم أنشأت تقول:
حَجّاجُ! أنتَ الذي مَا فَوْقَهُ أحَدٌ ... إلاّ الخَلِيفَةُ وَالمُسْتَغْفَرُ الصَّمَدُ.
حَجّاجُ! أنتَ شهابُ الحرْبِ إذ لقِحت، ... وَأنتَ للنّاسِ في جِنحِ الدُّجَى تَقِدُ.
ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير إلا أنا بم نر امرأة قط أفصح لساناً ولا أحسن محاورة ولا أملح وجهاً ولا أرصن شعراً منها. فقال: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها، ثم التفت إليها فقال: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة. فقالت: نعم أيها الأمير، هو الذي يقول:
وَهَلْ تَبْكِيَنْ لَيْلى إذا مَا بكَيتُها ... وَقَامَ عَلى قَبْرِي النّسَاءُ النّوائحُ.
كمَا لَوْ أصَابَ المَوْتُ لَيْلى بكَيتُهَا، ... وَجَادَ لهَا دَمْعٌ مِنَ العَينِ سَافحُ.
وَأُغْبَطُ مِنْ لَيلى لا أنَالُهُ، ... بلى! كُلُّ مَا قَرّتْ بِهِ العَينُ صَالحُ.
وَلَوْ أنّ لَيلى الأخيَلِيّةَ سَلّمَتْ ... عليّ، وَدُوني تُرْبَةٌ وَصَفَائحُ.
لسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أوْ زَقَا ... إليها صَدىً من جانِبِ القَبرِ صَائحُ.
فقال لها: زيدينا يا ليلى من شعره، فقالت: هو الذي يقول:
حَمَامَةَ بَطنِ الوَادِيَينِ تَرَنّمِي، ... سَقَاكِ مِنَ الغُرّ الغَوَادِي مطيرُهَا.