الأسنة تنخسها، فما أقدر على جمرة تتوقد، واجد عظامي كأنه بين رحيين تطحنانها، وأجد أمعائي وأحشائي كأنها في أفواه سباع تمضغها.
فبكى خضر وقال: كف عني، لا تصف شيئاً، فقد كاد عقلي أن يذهل بصفتك وقلبي يتصدع مما نزل بك.
فقلت له: أليس في ما سمعت وسمعنا أن الشهيد لا يجد من ألم السلاح إلا كما يجد أحدكم ألم الشوكة أو أقل؟ قال: بلى! قال: فقلت: أفلست شهيداً مثلهم؟ قال: بلى! قلتك فما بالك أنت تألم من بينهم؟ قال: إنما ذلك عند خروج النفس ورؤية ملك الموت، ولم أبلغ بعد إلى ذلك.
فقال له خضر: فهل ترى شيئاً.
قال: أرى صوراً مقبلةً لها أجنحة تطير بها، ترفرف بين السماء والأرض.
قال: فهل قرب منك أحد منها؟ قال: نعم جماعة.
قال: صفهم لي.
قال: أرى صوراً لم أر أحسن منها منظراً، بعضهم جناحاه من لؤلؤ وسائر بدنه من ياقوت، وبعشهم جناحاه من ياقوت وسائر بدنه من زمرد.
قال: فهل ترى ملك الموت؟ قال: ما أراه! أليس في ما كتبت من الحديث أن العبد إذا عاين ملك الموت شخص ثم أمسك ساعةً فلم يتكلم؟ فقال له خضر: هل ترى شيئاً؟ قال: أرى شخصاً قد هبط من السماء إلى الأرض حتى سد ما بين الخافقين، قد نشر أجنحته، فأشرقت الشمس من حسنه وأضاءت الدنيا من نوره، وسكن عني ما أجد من الألم حتى كأنه لم يكن، فما أحس منه شيئاً، ثم سكت، فلم يتكلم بكلمة حتى مات، رحمه الله.