فكمنا في بعض الغياض، فاشتدت علة الغلامن وضعف عن الحركة والنهوض، فأقمنا عليه ثلاثاً، ونزل به الموت، فأقبل يضحك أحياناً، ويبكي أحياناً، فقال له خضر: مم تضحك يا بني؟ قال: أضحك إلى جوار يضحكن إلي، ويقبلن بوجوههن علي.
قال: فما يبكيك؟ قال: أبكاني فراقك وحبسك في الدنيا بعدي.
قال: أما لئن قلت ذلك يا بني ليكونن عمري بعدك قصيراً، وحزني عليك كثيراً، وفرحي بعدك قليلاً، وقلبي بفراقك عليلاً، فسبحان من أبقاني بعدك للأحزان، وعرضني لنوائب الزمان، وجعلني غرضاً لنوازل الحدثان.
وبكى حتى انقطع عن الكلام، فقال له: لا تبك فإن لقاءنا قريب، واجتماعنا سريع.
فقال: أتوصي بشيء يا بين حتى أبلغ فيه محبوبك؟ قال: نعم! قال: قل! قال: عليك بالصبر بعدي، فغنها درجة الأبرار، ومعقل الأخيار، وإياك والجزع، فإنه سبيل لكل ضعيف، ومعول كل حاطئ، وغياك والزيغ، والزم ما أنت عليه، فإنه يوشك أن يقدم بك على غبطة وسرور وسعادة وحبور، فلو رأيت ما أعد الله تعالى لي من الكرامة، وتفضل علي به من الرحمة، لأحببت أن تكون المقدم إليه قبلي.
فقال: لقد سررتني يا بني بما وصفت، وغبطتك بما قد بلغت، فهل بقي سبيل أمر من أمور الدنيا تحب أن تبلغه حتى أبلغه لك إن رزقني الله العافية، وتخلصت سالماً، ووهبت لي الحياة.
قال: نعم! تجعل لي معك سالماً، ووهبت لي الحياة.
قال: نعم! تجعل لي معك سهماً في حجك وغزوك وصدقتك.
قال: قد فعلت، لوالدي الثلث ولك الثلث، مما تفضل الله به علي