أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد العدل أن أبا عبيد الله محمد بن عمران أخبرهم في ما أجاز لهم قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: إني لفي سوق ضرية، وقد نزلت على رجلٍ من بني كلاب، وكان متزوجاً بالبصرة، وكان له أهل بضرية، إذ أقبلت عجوز على ناقة لها حسنة البزة، يتخيل فيها باقي جمال، فأناخت، وعقلت ناقتها، وأقبلت تتوكأ على محجن لها، فجلست قريباً منا، فقالت: هل من منشد؟ فقلت للكلابي: أيحضرك شيء؟ فقال: لا! فأنشدتها شعراً لبشر بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو:
وَقَصِيرَةِ الأيّامِ وَدَّ جَلِيسُهَا ... لَوْ بَاعَ مَجْلِسَهَا بِفَقْدِ حَمِيمِ.
محذِياتِ أخي الهوَى غُصَصَ الجوَى ... بِدَلالِ غَانِيَةٍ وَمُقْلَةِ رِيمِ.
صَفْرَاءَ مِنْ بَقَرِ الجِوَاءِ، كأنّمَا ... خَفَرُ الحَيَاءِ بهَا رُدَاعُ سَقِيمِ.
فجشت على ركبتهيا، وأقبلت تنكت الأرض بمحجنها وأنشأت تقول:
قِفي يا أُمَامَ القَلْبِ، نَقضِ لُبانةً ... وَنَشكُ الهوَى ثمّ افعلي ما بدَا لكِ.
فَلَوْ قُلتِ طَأْ في النّارِ أعْلَم أنّه ... هوىً منكِ لي أوْ مِنَةٌ من نَوالكِ.
لقَدّمتُ رِجلي نحوَهَا فوَطِئتُها، ... هوىً منكِ لي أوْ هَفوَةٌ من ملالكِ.