عالم بما سبق علي في الكتاب من شقاء وسعادة، والله لئن عذبني الله على طاعته أحب إلي من أن يغفر لي وأنا على معصيته، على أنه غير جائر على من خلقه ولا معذب له إلا بذنب.
قلت: أفلا أشتري لك وطاءً تنام عليه؟ فقال: وأي وطاء أوطأ من ظهر الأرض، وقد سماه الله، عز وجل مهاداً، والله لا أفترش فراشاً ولا أتوسد وساداً، حتى ألحق بالله، عز وجل.
فقلت: فهل لك أن تريح نفسك في هذه الغزاة، وترجع؟ فقال: واعجباه من قولك! تأمرني أن أرجع عن الجنةن وقد فتح لي بابها، والله لا أزال أعرض نفسي على الله تعالى لعله يقبلين، فإن رزقني وخصني بالشهادة، فهو الذي كنت أحاول وبه أطالب، فإن حرمني ذلك فبالذنوب التي سلفت، وأنا أسأل الله أن يتفضل علي بما سألته، ويجيبني في ما دعوته.
فغزا معنا، ونحن في خلق كثير مع محمد بن مصعب، فلقينا العدو، فكان أول من جرح، فوقفت عليه، فقلت: أبشر بثواب الله، عز وجل، فقد أعطاك الرضا، وفوق المزيد.
فقال بصوت ضعيف: الحمد لله على كل حالٍ، لقد نظرت إلى كل ما تمنيت، وفوق ما اشتهيت، وبلغت ما أحببت، وأدركت ما طلبت من حور وولدان وسلسبيل وريحان، وإياك والتقصير، لعل الله، عز وجل، أن يبلغك ما بلغني ويرزقك ما رزقني، ثم فاضت نفسه.