فقالت الظريفة: قتلته قتلك الله! فقالت مية: ما أصحه وهنيئاً له.
قال: فتنفس ذو الرمة تنفسةً كاد حرها يطير بلحيته، ثم مضت حتى انتهيت غلى قوله:
إذا نَازَعَتكَ القَوْلَ ميّةُ أوْ بَدَا ... لك الوَجهُ منها أوْ نضَا الدِّرْعَ سالبُهْ.
فَيَا لكَ مِنْ خَدٍّ أسِيلٍ وَمَنْطِقٍ ... رَخِيمٍ وَمِنْ خُلْقٍ تَعَلّلَ جَاذِبُهْ.
فقالت الظريفة: هذا الوجه قد بدا، وهذا القول قد تنوزع، فمن لنابأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها مي فقالت: ما لك، قاتلك الله، ماذا تجنين به؟ فتضاحكت النسوة، فقالت الظريفة: إن لهذين لشأناً، فقم بنا عنهما، فقمن، وقمت فصرت إلى بيت قريب منهما أراهما، ولا أسمع كلامهما إلا الحرف بعد الحرف، فوالله ما رأيته برح مكانه، ولا تحرك. وسمعتها تقول: كذبت والله، فوالله ما أدري ما الذي كذبته فيه، فتحدثا ساعةً، ثم جاءني ومعه قويريرة فيها دهن طيب، فقال: هذه دهنة أتحفتنا بها مي، فشأنك بها. وهذه قلائد زودتنا للجؤذر، فلا واللخ لا قلدتهن بعيراً أبداً. ثم عقدهن في ذؤابة سيفه.
قال: فانصرفنا، فلم نزل نختلف إليها، مربعنا، حتى انقضى. ثم جاءني يوماً فقال: يا عصمة! قد ظعنت مي، فلم يبق إلا الديار، والنظر في الآثار، فانهض بنا ننظر إلى آثارها، فخرجنا حتى وقفنا على ديارها، فجعل ينظر ثم قال:
ألا، فَاْسلَمي يا دَارَ مَيّ عَلى البِلى، ... وَلا زَالَ مُنْهَلاًّ بجرْعائِكِ القَطْرُ.