ما آبَ مِن سفرٍ إلا وأزْعَجَهُ ... عزْمٌ إلى سَفَرٍ بالرُّغْمِ يُزْمِعُه.
كَأنّما هُوَ في حلّ وَمُرْتَحَلٍ ... مُوَكَّلٌ بِقَضَاءِ اللهِ يَذرعه.
أستَوْدعُ الله، في بغداد، لي قمراً ... بالكَرْخِ من فَلَكِ الأزْرَارِ مَطلعُه.
وكم تَشَفّعَ بي أن لا أُفَارِقَهُ، ... وللضّرُوراتِ حالٌ لا تُشَفِّعُه.
وكم تَشبّثَ بي يوْمَ الرّحيل ضُحى، ... وأدمُعي مُسْتَهِلاّتٌ وأدمُعُه.
أُعْطيتُ ملكاً فلمْ أُحسِن سياستَه، ... وكلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلعُه.
ومَن غدا لابساً ثوْبَ النّعيمِ بِلا ... شكرٍ عليه، فعنهُ اللهُ ينْزِعُه.
قال لنا أبو الحسين محمد بن علي بن الجاز وزادني أبو علي الحسن بن علي المتصوف:
والحِرْصُ في المرْء، والأرْزَاق قد قسمتْ، ... بَغيٌ، ألا إنّ بغيَ المرء يصرَعُه.
لو أنني لم تقع عيني على بلد ... في سفرتي هذه إلا وأقطعه.
اعتضتُ من وجه خِلّي، بعد فِرْقَتِهِ، ... كأساً تَجَرّعَ مِنها ما أُجَرَّعُه.
فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى اخضلت لحيته، وقال: وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي. وكان في رقعة الرجل: منزلي ببغداد في الموضع المعروف بكذا، والقوم يعرفون بكذا، فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وسفتجة، وحصلت في يد القوم وعرفهم موت الرجل.