فوقف يتكلم علينا، فبينا هو كذلك، إذ أقبل كامل بن المخارق، فلما رأته النسا رموه بأبصارهم، وشغلوا بالنظر إليه عن الاستماع منه، وفطن بهم حجار، فقطع كلامه، وقال: يا قوم! ما لكم لا ترجون لله وقاراً، ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً، وجعل الشمس سراجاً، فوالله لما تنظرون منهما على بعدهما أعجب إلي من نظركم إلى هذا، فاحذروا أن تعود عليكم النفوس بعوائد حكمهان إذا حالت القلوب في غامض فكرها، أتنظرون إلى جمال تحول عنه نضرته، ووجه تتخرمه الحادثات بعد خبرته؟ ما هذا نظر المشتاقين، اين تذهب منها محبوب نفوسكم ومطالبة قلوبكم إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بتوبة يتلافاكم الله، عز وجل، بها، أو عصمة يتغمدكم برحمته فيهان أو يطلقكم وما تطلبون، فإما أن تحول أقداره بينكم وبين شهواتكم، وإما تبلغوا منها إرادتكم فتسخطوه عليكم، أما سمعتموه، تعالى ذكره، يقول: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم؟ ثم أخذ في كلامه، فأحيطت من أحرم من مجلسه ذلك اليوم نيف على سبعين بين رجل وغلام.
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بمكة في المسجد الحرام سنة ست وأربعين وأربعمائة.
قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: حكي لي عن حبيب بن محمد بن خالد الواسطي قال: دخلت يوماً على علي بن عثام، فوجدته باكياً حزيناً ذاهب النفس، فانكرته، فسألته عما دهاه، فقال: اعلم أني مررت بالحريبة فرأيت مجنوناً