ثم غنت الثالثة:
سأبكي على ما فاتَ منكِ صَبابَةً ... وَأندُبُ أيّامَ الأماني الذّوَاهِبِ.
أحينَ دَنَا مَن كنتُ أرْجو دنُوَّه ... رَمَتني عُيونُ الناسِ من كل جانبِ.
فأصْبَحتُ مَرْحوماً، وكنتُ مُحَسَّداً، ... فَصَبراً على مَكُروهِ مرِّ العَوَاقِبِ.
ثم غنت الرابعة:
سأُفني بِكَ الأيّامَ حتى يَسُرّني ... بك الدهرُ، أو تَفنى حياتي معَ الدهرِ.
عَزَاءً وصبراً! أسعِداني على الهوَى، ... وأحمَدُ مَا جَرّبتُ عاقبَةُ الصّبرِ.
ثم أخذت الصورة فعانقتها، وبكت، وبكين، ثم شكون إليها جميع ما كن فيه، ثم أمرن بالصورة، فطويت، ففرقت أن يتفرقن قبل أن أكلمهن، فرفعت رأسي إليهن فقلت: لقد ظلمتن الغربان. فقالت: لو قضيت حق السلام، وجعلته سبباً للكلام، لأخبرناك بقصة الغربان. قال قلت: إنما أخبرتكن بالحق. قلن: وما الحق في هذا، وكيف ظلمناهن؟ قلت: إن الشاعر يقول:
نَعَبَ الغُرَابُ بِرُؤيَةِ الأحبَابِ، ... فلذاك صِرْتُ أُحِبّ كُلّ غُرَابِ.
قالت: صحفت وأحلت المعنى، إنما قال: بفرقة الأحباب، فلذاك صرت عدو كل غراب. فقتل لهن: فبالذي خصكن بهذا المجلس، وبحق صاحبة الصورة، لما خبرتنني بخبركن؟ قلن: لولا أنك أقسمت علينا بحق من يجب علينا حقه ما أخبرناك.
كنا صواحب مجتمعات على الألفة، لا تشرب منا واحدة البارد دون صاحبتها، فاحترمت صاحبة الصورة من بيننا، فنحن نصنع في كل موضع نجتمع فيه مثل الذي رأيت، وأقسمنا أن نقتل في كل يومٍ نجتمع