ثم التفت إلينا فقال: أحسنت؟ قلنا: نعم!، ثم ولينا فقال: بأبي أنتم ما أسرع مللكم، بالله أعيروني أفهامكم وأذهانكم. قلنا: هات! فقال:
لمّا أناخوا، قُبَيْل الصُّبْحِ، عيسَهُمُ، ... وَرَحّلوها، فسارت بالهوى الإبلُ.
وَقَلّبتْ، من خِلالِ السِّجفِ، ناظرَها، ... ترْنو إليّ وَدَمعُ العينِ مُنْهمِلُ.
فَوَدّعَتْ بِبَنان عَقدُها عَنَمٌ، ... نادَيتُ لا حَمَلَتْ رِجلاكَ يا جَمَلُ.
ويلي مِن البَينِ! ماذا حلّ بي وبِها؟ ... يا نازِحَ الدّارِ حلّ البينُ وارْتحلوا.
يا رَاحِلَ العِيسِ عَرّجْ كيْ أُوَدّعَها، ... يا رَاحلَ العِيس في تَرْحالكَ الأجَلُ.
إنّي على العَهدِ لم أنقض موَدَتكم، ... فليتَ شعري، وطالَ العهدُ، ما فعلوا؟
فقلنا، ولم نعلم بحقيقة ما وصف، مجوناً منا: ماتوا! فقال: أقسمت عليكم! ماتوا؟ فقلنا، لننظر ما يصنع: نعم! ماتوا. قال: إني والله ميت في أثرهم، ثم جذب نفسه في السلسلة جذبةً دلع منها لسانه، وندرت لها عيناه، وانبعثت شفتاه بالدماء، فتلبط ساعة، ثم مات. فلا أنسى ندامتنا على ما صنعنا.