أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، بباب الندوة، في سنة ست وأربعين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن الصديق بنسف قال: حدثنا أبو يعلى محمد بن مالك الرقي قال: حدثنا عبد الله بن عبد العزيز السامري قال: مررت بدير هرقل أنا وصديق لي، فقال لي: هل لك أن تدخل فترى من فيه من ملاح المجانين؟ قلت: ذاك إليك. فدخلنا فإذا بشاب حسن الوجه، مرجل الشعر، مكحول العين، أزج الحواجب، كأن شعر أجفانه قوادم النسور، وعليه طلاوة تعلوها حلاوة، مشدود بسلسلة إلى جدار، فلما بصر بنا قال: مرحباً بالوفد، قرب الله ما نأى منكما، بأبي أنتما. قلنا: وأنت، فأمتع الله الخاصة والعامة بقربك، وآنس جماعة ذوي المروءة بشخصك، وجعلنا وسائر من يحبك فداءك.
فقال: أحسن الله عن جميل القول جزاءكما، وتولى عني مكافأتكما.
قلنا: وما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغيره أهل؟ فقال:
اللهُ يعلمُ أنّني كَمِدُ، ... لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِد.
نَفسانِ لي: نفسٌ تضَمّنَها ... بَلَدٌ، وأُخرَى حازَها بَلَدُ.
أمّا المُقيمةُ ليس ينفعُها ... صَبرٌ، وليس بقربها جلَدُ.
وأظنّ غائبَتي كشاهِدَتي، ... بِمكانِها تجِدُ الذي أجِدُ.