كأنه الخيال، فأنشأ يقول:
ألا ما للحَبيبَةِ لا تَعودُ، ... أبخلٌ بالحبِيبَةِ أم صُدودُ.
مَرِضْتُ فعَادني عُوّادُ قَوْمي، ... فما لكِ لم تُرَيْ في مَن يَعودُ.
فلَوْ كنتِ المَريضَ، ولا تكوني، ... لعُدتُكم، ولوْ كثُرَ الوَعِيدُ.
ولا استَبطَأتُ غَيركِ، فاعلمِيهِ، ... وحولي من ذَوي رَحِمي عديدُ.
قال: ثم أغمي عليه، فمات. فوقعت الصيحة في الحي، فخرج من آخر الماء جارية كأنها قلقة قمر، فتخطت رقاب الناس حتى وقفت عليه فقبلته، وأنشأت تقول:
عَذابي أن أعودَكَ، يا حبيبي، ... معَاشِرُ فَيهِمُ الواشي الحَسودُ.
أذَاعُوا ما عَلِمتَ مِنَ الدّوَاهي، ... وعابُونَا وما فِيهِمْ رَشِيدُ.
فأمّا إذْ حَلَلْتَ بِبَطنِ أرْضٍ ... وقصرُ الناسِ كُلّهِمِ اللُّحُودُ.
فَلا بَقِيَتْ ليَ الدنْيَا فُوَاقاً، ... ولا لُهم، ولا أثرَى، عَديدُ.
قال: ثم شهقت شهقةً فخرت ميتةً منها، فخرج من بعض الأخبية شيخ فوقف عليهما، فترحم عليها، وقال: والله لئن كنت لم أجمع بينكما حيين لأجمعن بينكما ميتين! فدفنهما في قبر واحد احتفره لهما، فسألته، فقال: هذه ابنتي وهذا ابن أخي.