ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة، والجوابات المنتخبة". ويقول1: "كانت العادة في كتب الحيوان أن أجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر ورقات من مقطعات الأعراب ونوادر الأشعار، لما ذكرت عجبك بذلك ... "

ويعلل الجاحظ اتباعه هذه الطريقة بقوله2: "وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال له، فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء ومن باب إلى باب ... ونقصد من ذلك إلى التخفيف والتقليل، فإنه يأتي من وراء الحاجة، ويعرف بجملته مراد البقية". ويقول بعد أن يورد بعض الأخبار والنوادر3: "فجعلنا بعضها في باب الاتعاظ والاعتبار وبعضها في باب الهزل والفكاهة. ولكل جنس من هذا موضع يصلح له. ولا بد لمن استكده الجد من الاستراحة إلى بعض الهزل".

ومن كانت هذه غايته، كان خليقًا أن يجمع بين دفتي كتابه ما يحقق له هذه الغاية، يستوي عنده في ذلك الخبر الصحيح والزائف، والشعر الثابت والمشكوك فيه والموضوع، وربما أورد من الأخبار والأشعار ما يعرف يقينًا زيفها ووضعها، ولكنه يسوقها لأنه يستحسنها أو لأن فيها نادرة تناسب ما قبلها. فمن ذلك أن الجاحظ يورد خبرًا فيه شعر ثم يقول4: "وأخلق بهذا الحديث أن يكون مولدًا، ولقد أحسن من ولده".

ومن أجل هذا كله نرى الجاحظ لا يكلف نفسه مشقة التثبت والتمحيص، والرجوع إلى ما بين يديه من كتب ومصادر، وإنما يرتجل القول ارتجالًا، ويسوقه في كثير من التجاوز والتسامح، ويدفعه إلينا كما ورد في خاطره ساعة كتابته أو إملائه، فهو يورد بيتًا من الشعر ثم يقول5: "وهي أبيات لم أحفظ منها إلا هذا البيت". ويقول أيضًا في باب الخطب6: "وخطبة أخرى ذهب عني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015