"فقالت امرأة من العرب"1، أو "قال رجل من بني جذيمة"2، أو "قال الآخر"3. وأكثر هذا الشعر الذي لا ينص ابن إسحاق على قائله هو ما قيل في رجل من الرجال الذين يرد ذكرهم في السيرة. فيذكر مثلًا جرير بن عبد الله البجلي، فيريد أن يزيده تعريفًا بقوله4: "وهو الذي يقول له القائل"، ويذكر هاشم بن حرملة فيقول5: وهو "الذي يقول له القائل"، ويعرف سعد بن سيل بقوله6: "ولسعد بن سيل يقول الشاعر"، ويذكر أبا سيارة عُميلة بن الأعزل بقوله7: "ففيه يقول شاعر من العرب"، ويذكر المطلب ووفاته فيقول8: "فقال رجل من العرب يبكيه"؛ ومثل ذلك كثير.

فنحن نرى إذن أن الشعر في كتب التاريخ والسيرة ليس هدفًا يقصد لذاته، ولم يكن موضعًا للتحقيق والتمحيص، وإنما كان حلية أحيانًا، ودليلًا على القصة أو الخبر أحيانًا أخرى، وكان في جميع هذه الأحايين يُقصد منه التأثير في نفوس السامعين أو القارئين حتى يندمجوا في جو الحوادث نفسها وتصغو إليها أفئدتهم فيصدقوها، أو على الأقل لا يناقشوا أمر صحتها. ومن أجل هذا رأينا أصحاب التاريخ أو السيرة يروون شعرًا لا يكاد يشك أحد في انه مختلق موضوع، بل إنهم هم أنفسهم -كما رأينا في سيرة ابن إسحاق- يشكون في هذا الشعر، ويوردونه بعد عبارات تكشف عن بعض هذا الشك، ولكنهم مع ذلك لا يملكون إلا أن يوردوه لأنه -كما ذكرنا- أصبح تراثًا شعبيًّا، وأصبح لا مفر للمؤرخ من أن يجمعه ويورده مع كل حادثة قيل فيها. ومن أجل هذا وجدنا أيضًا أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015