قال ابن سلام في حديثه عن الأسود بن يعفر بعد أن أورد قصيدة له1: "وله شعر كثير جيد، ولا كهذه. وذكر بعض أصحابنا أنه سمع المفضل يقول: له ثلاثون ومائة قصيدة؛ ونحن لا نعرف له ذلك ولا قريبًا منه. وقد علمت أن أهل الكوفة يروون له أكثر مما نروي ويتجوزون في ذلك بأكثر من تجوزنا".

وقال أيضًا2: "وأسمعني بعض أهل الكوفة شعرًا زعم أنه أخذه عن خالد بن كلثوم يرثي به حاجب بن زرارة. فقلت له: كيف يروي خالد مثل هذا وهو من أهل العلم، وهذا شعر متداع خبيث؟ فقال: أخذناه من الثقات. ونحن لا نعرف هذا ولا نقبله". وقال أبو الطيب اللغوي3: "والشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله، وذلك بين في دواوينهم". وقال الثوري4: "اتكل أهل الكوفة على حماد وجناد، ففسدت رواياتهم من رجلين، كانا يرويان ولا يدريان، كثرت رواياتهما وقل علمهما".

ومما ذكروه في تعليل كثرة رواية الشعر في الكوفة قصة اكتشاف الأشعار التي نسخت للنعمان في الطنوج فقال ابن جني بعد أن أورد هذه القصة5: "فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة".

ونحب أن نعيد ما قررناه سابقًا من أن اتهام البصريين للكوفيين بوضع الشعر ونحله لم يكن مرده كله إلى أن الكوفيين كانوا يضعون وينحلون حقًّا، وإنما كان مرد بعضه إلى هذه العصبية وما سببته من منافسات وخصومات، ثم كان مرد بعضه إلى اختلاف مصادر الفريقين وإلى اختلاف منهجيهما، فقد توسع الكوفيون على حين ضيق البصريون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015