ولكننا نرى أن علماء القرن الثاني كانوا يسندون الحديث: يرفعون بعضه، ويرسلون بعضه. ومما تجدر الإشارة إليه أن كثيرًا من رواة الأدب كانوا كذلك من رواة الحديث، وإن كانت شهرتهم بالرواية الأدبية قد طغت على شهرتهم برواية الحديث وغطت عليها. فالرواية عند هؤلاء العلماء في القرن الثاني، سواء أكانت رواية حديث أم رواية أدب وأخبار، كانت ذات إسناد يرتفع حينًا إلى الصحابي وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث، ويرتفع إلى من تدور عنه في الجاهلية أو إلى رجال يروونها ممن شهدوا الجاهلية وشهدوا ما يروون بخاصة في الأدب والأخبار، وكثيرًا ما يكون الإسناد مرسلًا منقطعًا في الروايتين كلتيهما.

ولكن ذلك لا يمنعنا من أن نقول إن المتأخرين الذين كتبوا في علوم اللغة والأدب قد احتذوا مناهج المحدثين والفقهاء، وقلدوا علوم الحديث والفقه، وذلك بعد أن نضجت علوم الحديث والفقه وأرسيت أصولهما وقواعدهما، وعبدت سبلهما وطرائقهما، وذهب فيهما في التحقيق والتدقيق -في السند والمتن- مذاهب بعيدة1 ونجد مثال ذلك عند أبي البركات ابن الأنباري "المتوفى سنة 575هـ" حين يقول في كتابه "الإنصاف في مسائل الخلاف"2: "فإن جماعة من الفقهاء المتأدبين، والأدباء المتفقهين المشتغلين علي بعلم العربية بالمدرسة النظامية ... سألوني أن ألخص لهم كتابًا لطيفًا، يشتمل على مشاهير المسائل الخلافية بين نحويي البصرة والكوفة، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة".

وعند رجل كالسيوطي الذي يقول عن علم الأدب وتأليفه فيه3: "هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015