فأشار إلى أنه ينتفي ألفاظه وقوافيه انتقاء، ويتنخلها تنخلًا، ويثقف شعره حتى تلين متونه ويستوي بين يديه على ما يحب. ومن هنا جاز أن تسمَّى هذه المدرسة الشعرية مدرسة الصنعة1.
ولم تكن الرابطة الفنية وحدها هي التي تجمع بين بعض هؤلاء الشعراء، فقد ذكر لنا الرواة أن أوسًا كان زوج أم زهير2، وكعب هو ابن زهير. وصلة الرحم هذه التي تربط بين أفراد المدرسة الفنية الواحدة، تنقلنا إلى مدرسة أخرى: فقد كان المسيب بن علس خال الأعشى بن ميمون، وكان الأعشى راويته وكان يطرد شعره ويأخذ منه3.
وكذلك كان أبو ذؤيب الهذلي راوية لساعدة بن جؤية الهذلي4
ولو تتبعنا هذه الصلة بين شعراء الجاهلية لوجدنا الكثيرين منهم ذوي رحم.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك -غير من ذكرنا- هؤلاء الثلاثة: المرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وطرفة بن العبد. فقد كان المرقش الأكبر عم الأصغر، والأصغر عم طرفة5. وكذلك كان مهلهل خال امرئ القيس. فلعل الأمر في هؤلاء الشعراء قد جرى على ما جرى عليه الشعراء السابقون من أصحاب المدرسة الفنية الواحدة، ولعل المرقش الأصغر كان راوية عمه المرقش الأكبر، وطرفة راوية عمه المرقش الأصغر، ولعل امرأ القيس كان كذلك راوية خاله مهلهل6.
والأمر بعد هذا يحتاج إلى دراسة فنية، ليس هذا مجالها، لشعر هؤلاء الشعراء حتى تنجلي لنا الأصول الشعرية التي قامت عليها كل مدرسة ومدى تأثر