المهاجرون والأنصار، فتذاكروا مآثر العرب وأخبارها وأشعارها1.
وأما عمر بن الخطاب فأمر معرفته بالشعر وروايته له مشهور معروف، فقد كان يستنشد من يحضر مجلسه في حله، أو من يرافقه في سفره. وكان ذواقة، بصيرًا بالشعر، ناقدًا له، يحكم على الشعراء. وكان هو نفسه يحفظ كثيرًا من الشعر الجاهلي، حتى لقد قال محمد بن سلام عن بعض أشياخه2: "كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر".
ومن أمثلة ذلك أنه قيل له3: "قيل للأوسية: أي منظر أحسن؟ فقالت: قصور بيض في حدائق خضر". فأنشد عند ذلك عمر بن الخطاب بيت عدي بن زيد العبادي:
كدمى العاج في المحاريب أو كالـ ... بيض في الروض زهره مستنير
وقال العائشي4: كان عمر بن الخطاب -رحمه الله- أعلم الناس بالشعر، ولكنه كان إذا ابتلى بالحكم بين النجاشي والعجلاني "تميم بن أبي بن مقبل"، وبين الحطيئة والزبرقان، كره أن يتعرض للشعراء، واستشهد للفريقين رجالًا مثل حسان بين ثابت وغيره ممن تهون عليهم سبالهم، فإذا سمع كلامهم حكم بما يعلم، وكان الذي ظهر من حكم ذلك الشاعر مقنعًا للفريقين، ويكون هو قد تخلص بعرضه سليمًا. فلما رآه من لا علم له يسأل هذا وهذا ظن أن ذلك لجهله بما يعرف غيره.
قال: ولقد أنشدوه شعرًا لزهير -وكان لشعره مقدمًا- فلما انتهوا إلى قوله:
وإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء