حفظه فهو يقول1: "وقد جمعت لك في هذا الكتاب جملًا التقطناها من أفواه أصحاب الأخبار"، وهو يورد بيتًا ثم يقول2: "وهي أبيات لم أحفظ منها إلا هذا البيت".

ومن أمثلة ذلك أيضًا ما ذكره أحمد بن عبيد الله بن عمار قال3: "كنا نختلف إلى أبي العباس المبرد، ونحن أحداث، نكتب عن الرواة ما يروونه من الآداب والأخبار ... فانصرفنا يومًا من مجلس أبي العباس المبرد وجلسنا في مجلس نتقابل بما كتبناه ونصحح المجلس الذي شهدناه ...

وقد أوردنا هذه الأمثلة -على الأمور الثلاثة كلها- من عصور مختلفة تشمل القرون الثلاثة الأولى للهجرة، وهي تدل على أن الرواية الشفهية كانت تسير جنبًا إلى جنب مع الكتابة والتدوين، لا تعارض بينهما، ولا ينفي وجود أحدهما وجود الآخر. ومن هنا كان لا بد لنا -بعد أن استوفينا البحث، بالقدر الذي بلغه جهدنا، عن تدوين الشعر الجاهلي- من أن نعقد فصول هذا الباب الثالث عن الرواية الشفهية، حتى تتم بذلك الدعامتان اللتان قام عليهما حفظ الشعر الجاهلي وحمله، وهما: انقل من الكتاب، والسماع من أفواه الرواة.

-2-

أورد ابن سلام في طبقاته قول عمر بن الخطاب4 "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه". ثم عقب عليه بقوله "فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهت عن الشعر وروايته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015