أو الديوان. وذلك أمر طبيعي عند العرب وعند غيرهم، في تلك العصور وفي العصور التي تلتها إلى عهد قريب حينما اكتشفت الطباعة فيسرت كتابة النسخ الكثيرة من الكتاب الواحد.

وأما الأمر الثاني فيتصل بالأمر الأول، وذلك أن رواة الشاعر نفسه -وهم أول من يسمع شعر الشاعر وأهم وسيلة من وسائل نشر شعره وإذاعته- هؤلاء الرواة كانوا يكتبون شعر الشاعر حقًّا، ويحفظونه في صحف ودواوين، ولكنهم مع ذلك يحفظون هذا الشعر في صدورهم وذاكرتهم، وينقلونه في المجالس والمحافل إنشادًا لا قراءة من صحف. وقد كان ذلك كذلك في جميع العصور الإسلامية: فقد كان جرير يريد أن يهجو بني نمير، فأقبل إلى منزله وقال للحسين راويته1: زد في دهن سراجك الليلة وأعدد ألواحًا ودواة. قال: ثم أقبل على هجاء بني نمير، فلم يزل حتى ورد عليه قوله:

فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبًا بلغت ولا كلابًا

فقال جرير للحسين راويته: "حسبك أطفئ سراجك، ونم، فقد فرغت منه" يعني قتلته.

وهجت بنو جعفر بن كلاب قوم الفرزدق، فأراد أن يهجوهم، ولكنه قال2: "والله ما أعرف مثالبهم ولا ما يهجون به". فبينا هو كذلك إذ قدم عمر بن لجإ التيمي البصرة، فنزل في بني عدي في موضع دار أعين الطيب. فقال الفرزدق لابن متويه -وكان راوية الفرزدق وكان يكتب شعره-: "امض بنا إلى هذا التيمي. قال: فخرجنا حتى وقفنا على الباب الذي هو فيه، فاستأذنا، وعند ابن لجإ فتيان من بني عدي يكتبون فخره بالرباب ... ".

وهذا شيخ من هذيل، كان خالًا للفرزدق من بعض أطرافه، يقول3:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015