وقال حميد بن ثور1:

لأعترضن بالسهل ثم لأحدون ... قصائد فيها للمعاذير زاجر

قصائد تستحلي الرواة نشيدها ... ويلهو بها من لاعب الحي زامر

وقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "بأبي أنت، ما أنت بشاعر ولا راوية، ولا ينبغي لك". ولما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا2: "يأبا مليكة، أوص". فقال: "ويل للشعر من راوية السوء".

وذلك كله إنما الأصل فيه هو الماء: حمله وحامله من رجل أو دابة. غير أن هذا الضرب الأخير من المجاز، وهو الحمل الأدبي، قد مر كذلك، فيما يبدو، في مرحلتين: الأولى خاصة بالشعر وحده، وتعني مجرد حفظه ونقله وإنشاده، ولا تتجاوز ذلك إلى ضبطه وتحقيقه والنظر فيه وتمحيصه. واستمر مدلول هذه المرحلة الأولى في تاريخ الرواية الأدبية حتى آخر القرن الأول وبداية القرن الثاني. قال محمد بن المنكدر "التميمي المدني المتوفى سنة 130"4: "ما كنا ندعو الرواية إلا رواية الشعر، وما كنا نقول هذا يروي أحاديث الحكمة إلا عالم".

فلما أُصلت أصول علم الحديث، وأرسيت قواعده، وعُني فيه بالإسناد، وتصدر المحدثون للتحديث في مجالس العلم من حفظهم، صار يطلق عليهم أيضًا لفظ الرواية، فصرنا نجد المحدثين، في آخر القرن الثاني، رواة كما كان للشعراء رواة، ومنهم "النضر بن طاهر راوية مالك بالبصرة"5.

ومن هنا دخلت الرواية الأدبية في طورها الثاني، وهو ما يصح أن نطلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015