فهذه كلها صريحة في أن الإسناد لا ينفي وجود الصحيفة أو الكتاب، وأن الكتاب والسماع جزءان يتمم أحدهما الآخر. بل إن الإسناد قد يوهم السماع حيث لا سماع، وإنما هو أخذ من صحيفة أو كتاب من غير قراءة على الشيخ وسماع منه. قال الواقدي1 عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أنه شهد ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال: يا أبا المنذر، الصحيفة التي أعطيتها فلانًا هي حديثك؟ قال: نعم. قال الواقدي: فسمعت أن جريج بعد هذا يقول: حدثنا هشام بن عروة، ما لا أحصي. فابن جريج في هذا الخبر لم يسمع هشام بن عروة، وإنما أخذ من صحيفة ولم يستمع إليه وهو يحدث بها، ومع ذلك فهو يسند، ويقول: حدثنا هشام بن عروة؛ وذلك لأنه اطمأن إلى أن ما في الصحيفة من حديث هشام حقًّا.

وخبر آخر يؤيد هذا الخبر السابق، وهو عن ابن جريج نفسه. قال الواقدي2: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة قال: قال لي ابن جريج: اكتب لي أحاديث سنن قال: فكتبت له ألف حديث ثم بعثت بها إليه، ما قرأها علي وما قرأتها عليه. قال الواقدي: فسمعت ابن جريج بعد ذلك يحدث يقول: حدثنا أبو بكرٍ بن أبي سبرة، في أحاديث كثيرة.

وقد مر بنا أن عطاء بن دينار روى التفسير عن سعيد بن جبير، ولكنه لم يسمعه منه، وإنما وجد عطاء هذا التفسير في ديوان عبد الملك بن مروان، فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير3.

ومن هذا القبيل ما يورده أبو الفرج في أغانيه عن أبي خليفة عن محمد بن سلام؛ إذ يقول أبو الفرج4 "أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال..". وأبو الفرج لم يلق أبا خليفة، وإنما كان يكتب إليه، ويؤيد ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015