أما من كان يكتفي بالأخذ من الكتاب وحده، دون أن يعرضه على العلماء، ودون أن يتلقى علمه في مجالسهم، فقد كان عرضة للتصحيف والتحريف، وبذلك لم يعدوا علمه علمًا، وسموه صحفيًّا لا عالمًا. قال ابن سلام1 في معرض حديثه عن الشعر القديم "وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء، وليس لأحد -إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه- أن يقبل من صحيفة ولا يروي عن صحفي". وشبيه بهذا قول ثعلب عن كتاب العين للخليل2 "وقد حشا الكتاب أيضًا قوم علماء لا أنهم لم يؤخذ منهم رواية، وإنما وجد بنقل الوراقين، فاختل الكتاب لهذه الجهة".
ومن هنا ضعفوا الأخذ من المدونات في التفسير والحديث؛ فكان بعضهم يتقي تفسير مجاهد "توفي سنة 103 وعمره 83 سنة" لأنهم "كانوا يرون أن مجاهدًا يحدث عن صحيفة جابر"3 وقال يحيى بن سعيد القطان في أحاديث سمرة التي يرويها الحسن عنه: سمعنا أنها من كتاب4؛ وقال سفيان الثوري عن حديث عبد الأعلى بن عامر الثعلبي5: كنا نرى أنه من كتاب، وكان ضعيفًا في الحديث. وقال يحيى بن معين6: إذا حدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
"يعني عبد الله بن عمرو بن العاص" فهو كتاب، ومن هنا جاء ضعفه، وإذا حدث عن سعيد بن المسيب أو سليمان بن يسار أو عروة، فهو ثقة عن هؤلاء. وقال كذلك أبو زرعة إن عمرو بن شعيب7 "إنما سمع أحاديث يسيرة،