العلماء حفظًا دون أن يكتب. وسنبين أن الحديث قد دُوِّن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواصل الصحابة والتابعون تدوينه بعد ذلك؛ وأن الحفظ والرواية الشفهية قد سارتا جنبًا إلى جنب مع الكتابة والتدوين لا يفصل بينهما فاصل من الزمن، ولا ينفي وجود إحداهما وجود الأخرى.

فعبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلمه وإذنه، ولقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم -بعد أن أذن له بكتابة حديثه-: هل يكتب كل ما يسمع؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق1. وكان عبد الله بن عمرو يُسمي صحيفته التي كتب عليها الأحاديث: الصادقة. قال مجاهد2: رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفة، فسألته عنها، فقال: هذه الصادقة فيها ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه فيها أحد. ويقال إن فيها ألفًا من الأحاديث1، وقد بقيت هذه الصحيفة عند أهل بيته فكان حفيده عمرو بن شعيب يحدِّث4 منها. وقد ضمن أحمد بن حنبل هذه الصحيفة مسنده فصانها من الضياع5.

وصحابي جليل آخر كتب الأحاديث الشريفة هو عبد الله بن عباس. ذكر موسى بن عقبة قال6: وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس، فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب، كتب إليه: ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا، فينسخها ويبعث بها.

وصحابي جليل ثالث هو أنس بن مالك خادم رسول الله وملازمه في بيته ليلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015