أيضًا شعرًا، وذلك أن الوليد بن عقبة خطب الناس بالكوفة في يوم صبا، وقال: إن أخاكم لبيدًا آلى ألا تهب له الصبا إلا أطعم الناس حتى تسكن، وهذا اليوم من أيامه، فأعينوه، وأنا أول من أعانه. ونزل، فبعث إليه بمائة بكرة، وكتب إليه أبياتًا من الشعر.. فلما أتاه الشعر قال لابنته: أجيبيه1.

ومما يؤيد معرفة لبيد بالكتابة في الجاهلية أن في شعره الجاهلي كثيرًا من الإشارات والمعاني الدينية التي تدل على أنه كان في الجاهلية يؤمن بالبعث. وقد كان أكثر هؤلاء الذين كانوا على دين في الجاهلية يحسنون الكتابة2.

ومن هؤلاء الشعراء الذين كانوا يؤمنون بالبعث في الجاهلية ويقرءون الكتب الدينية: أمية بن أبي الصلت3.

ومن هؤلاء الشعراء المخضرمين الذين ولدوا في الجاهلية وعمروا في الإسلام إلى زمن عبد الملك بن مروان واشتهروا بالعلم والفقه: مسروق بن عبد الرحمن4، وشريح بن الحارث الكندي5.

ولا بد من الإشارة إلى أن النص على معرفة الشعراء بالكتابة لم يكن في الكتب العربية نصًّا صريحًا مقصودًا لذاته، وإنما أكثر ما يكون استطردًا عابرًا لتوضيح سياق قصة تتصل بالشاعر، أو بقومه، أو بحادثة بعينها. ويبدو لنا أن الذين خلَّفوا لنا هذه الكتب -وهم الذين سجلوا تاريخنا الأدبي- كانوا يتوهمون أن معرفة الشاعر بالكتابة عيب ينتقص من شاعريته، وذلك لأنهم كانوا يظنون أن معرفة الكتابة أمر حادث طارئ على العرب، وهو من أمور المدنية التي كانت تفسد الأعراب وسليقتهم اللغوية الفطرية، فكانوا يشكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015