وقد قال الأعشى يخاطب قومه ويبين لهم فضله عليهم1:
وأدفع عن أعراضكم وأعيركم ... لسانًا كمقراض الخفاجي ملحبا
وبلغ من عناية القبائل بالشعر أن بني تغلب كانوا يعظمون قصيدة عمرو بن كلثوم المعلقة، وكان يرويها صغارهم وكبارهم حتى هجوا بذلك، فقال بعض شعراء بكر بن وائل2:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبدًا مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسئوم
ومن أبين ما يدل على خطر الشعر عند القوم آنذاك ما ذكره أبو عبيدة قال3: كان الرجل من أنف الناقة إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني قريع. فما هو إلا أن قال الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟
فصار الرجل منهم إذا قيل له: ممن أنت؟ قال: من بني أنف الناقة.
وكما كانت القبائل حريصة على تسجيل مفاخرها في شعر شعرائها كانت كذلك حريصة على أن تتجنب ذم شعراء القبائل الأخرى وهجاءهم. وهل أبلغ في الدلالة على خشيتهم الهجاء وتخوفهم أن يبقى ذكر ذلك في الأعقاب ويسب به الأحياء والأموات من أنهم كانوا إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق وربما شدوا لسانه بنسعة كيلا يهجوهم، كما صنعت بنو تيم بعبد يغوث بن وقاص الحارثي حين أسر يوم الكلاب، فقال في ذلك عبد يغوث4: