وهكذا قاله جرير، ولكن ما زالت الرواة قبلَنا يُصلحون للعرب أشعارهم، فقال الأصمعي: واللهِ (?)! لا رويتُه إلا هكذا (?)؛ تصويباً لإصلاح خلف.
قال ابن المنير: والظاهرُ تصويبُ جرير، وتخطئةُ ابنِ رشيق، ومَنْ روى عنه، وإنما غَلَّطْتُ هؤلاء على أنهم أكابر؛ لما هو أكبرُ من الخلق أجمعين، وهو كتابُ الله تعالى، ومثل هذه الآية قولُه تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109].
فإن "قَبْلَ" في هذا وأمثاله بمعنى دون كذا؛ إذ لا يُتوقع نفادُ كلمات الله تعالى، ولا يقع أبداً، فالمراد إذاً: لنفد البحرُ، ولا (?) تنفدُ كلمات الله (?)، وكذلك في البيت: فيا لك يوماً خيرُه لا شرَّ بعده، بل هذا المعنى هو الأصل في "قبل"، وإنما كثر استعمالها فيما يوجد متأخراً؛ كقولك: جاءني زيدٌ قبلَ عمرٍو، وقد جاءا جميعاً، لكن أحدهما قبلَ صاحبه، فالحقيقة منها: أن الأول جاء، ولم يجيء الثاني، وكونه لم يجيء أعمُّ من كونه يجيء بعدَ ذلك، أو لا.
* * *
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24].